فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكذلك رسول الله استدعاه ربه إلى السماء، وأخذ حظًا بالقُرْب من الله تعالى، والله سبحانه يعلم حب الرسول لأمته وحرصه عليهم، وعلى أنْ ينالوا هم أيضًا هذا القرب من حضرته تعالى، فأجابه ربه، وجعل الصلاة حضورًا للعبد في حضرته تعالى، وقربًا كقرب رسول الله في رحلة المعراج.
لذلك خاطبه ربه بقوله: {وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فترضى} [الضحى: 5].
فقال سيدنا رسول الله: «إذن، لا أرضى وواحد من أمتي في النار».
وكما تُحدث الصلاة استطراق عبودية تُحدث الزكاةُ في المجتمع استطراقًا اقتصاديًا، فيعيش الجميع الغني والفقير عيشة كريمة مُيسَّرة، فلا يشبع واحد حتى التخمة، والآخر يموت جوعًا. وما بالك بمجتمع لا يتعالى فيه الكبير على الصغير ولا يبخل فيه الغني على الفقير؟ إذن: في الصلاة والزكاة ما يكفل سعادة المجتمع كله.
وقد فرض الله الزكاة للفقراء؛ لأن الله سبحانه حين يستدعي عبد إلى كونه لابد أنْ يضمن له مُقومات الحياة، ولم لا وأنت إذا دعوْتَ شخصًا إلى بيتك لابد أنْ تكرمه، وأنْ تُعد له على الأقل ضروريات ما يلزمه فضلًا عن الإكرام والحفاوة ورفاهية المأكل والمشرب.
الخ.
فالله سبحانه استدعى عباده إلى الوجود مؤمنهم وكافرهم، وعليه سبحانه أنْ يوفر لهم القوت، بل كل مقومات حياتهم، كذلك يضمن للعاجز غير القادر قوته، لذلك يفرض الزكاة حقًا معلومًا للسائل والمحروم، فهي صلاتٌ والأولى صلاة.
ولهذه المسألة قصة في الأدب العربي، فيُرْوى أن ابن مدبر وكنيته أبو الحسن، كان الشعراء يقصدونه للنيل من عطاياه، يقولون: إن الُّها تفتح اللَّها، أي: أن العطايا تفتح الأفواه بالمدح والثناء.
لكن، كان ابن المدبر إذا مدحه شاعر بشعر لم يعجبه يأمر رجاله أنْ يأخذوه إلى المسجد ولا يتركوه حتى يصلي لله مائة ركعة، وبذلك خافه الشعراء وتحاشوْا الذهاب إليه إلا أبو عبدالله الحسين بن عبدالسلام البشري، ذهب إليه وقال: عندي شعر أحب أنْ أنشده لك.
فقال: أتدري ما الشرط؟ قال: نعم، قال: قُلْ ما عندك، فقال:
أَرَدْنَ في أَبي حَسَنٍ مَديحًا ** كَمَا بالمْدح تُنْتَجَعُ الوُلاَة

يعني: يذهب الشعراء إليهم لينالوا من خيراتهم.
فَقْلْنا أكْرَمُ الثَّقلَيْن طُرًّا ** ومنْ كفَّيْه دجلَةُ والفُراتُ

وقالوا يَقبل المدحاةَ لكنْ ** جَوَائزُهُ عليهنَّ الصَّلاَةُ

فقُلْتُ لهم ومَا تُغَني صَلاَتي ** عيَالي إنما الشْأنُ الزَّكَاةُ

فَيأمُر لي بكسْر الصّاد منها ** فَتُصبح لي الصّلات هي الصَّلاةُ

فلما تجرَّأ عليه أحدهم وسأله: لماذا تعاقب مَنْ لم يعجبك شعره بصلاة مائة ركعة؟ فقال: لأنه إما مسيء وإما محسن، فإنْ كان مسيئًا فهي كفارة لإساءته في شعره، وإنْ كان محسنًا فهي كفارة لكذبه فيَّ.
ثم يقول سبحانه في وصفهم: {وَهُمْ بالآخرة هُمْ يُوقنُونَ} [لقمان: 4] لأن الإيمان باليوم الآخر يقتضي أنْ نعمل بمنهج الله في افعل كذا ولا تفعل كذا، ونحن على يقين من أننا لن نفلت من الله ولن نهرب من عقابه في الآخرة، وأننا مُحَاسبون على أعمالنا، فلم نُخلق عبثًا، ولن نُتْرك سدى، كما قال سبحانه: {أَفَحَسبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115].
ونلحظ هما في الأسلوب تكرار ضمير الغيبة هم فقال: {وَهُمْ بالآخرة هُمْ يُوقنُونَ} [لقمان: 4] وهذا يدلُّنا على أن الإيمان بالآخرة أمر مؤكد لا شكَّ فيه، ومع أن الناس يؤمنون بهذا اليوم، ويؤمنون أنهم محاسبون، وأن الله لم يكلفهم عبثًا- مع هذا- يؤكد الحق سبحانه على أمر الآخرة؛ لأنها مسألة بعيدة في نظر الناس، وربما غفلوا عنها لبُعْدها عنهم، ولم لا وهم يغفلون حتى عن الموت الذي يرونه أمامهم كل يوم، ولكن عادة الإنسان أن يستعبده في حق نفسه.
لذلك يقول الحسن البصري: ما رأيت يقينًا أشبه بالشك من يقين الناس بالموت.
أما الكفار فينكرون هذا اليوم، ولا يؤمنون به؛ لذلك أكد الله عليه.
ولما سأل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة رضي الله عنه: «كيف أصبحت يا حذيفة؟» قال: أصبحت مؤمنا حقًا، فقال: «لكلّ حقٍّ حقيقة فما حقيقة إيمانك؟» قال: عزفتْ نفسي عن الدنيا فاستوى عندي ذهبها ومدرها، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يُنعَّمون، وإلى أهل النار في النار يُعذَّبون فقال صلى الله عليه وسلم: «عرفتَ فالزم».
وقوله: {يُوقنُونَ} [لقمان: 4] من اليقين، وهو الإيمان الراسخ الذي لا يتزعزع، ولا يطرأ عليه شكٌّ فيطفو إلى العقل ليناقش من جديد وسبق أنْ قُلْنا: إن المعلومة تتدرج على ثلاث مراحل: علم اليقين، وعين اليقين، وحق اليقين.
علم اليقين إذا أخبرك به مَنْ تثق به، فإذا رأيتَ ما أخبرك به فهو عين اليقين، فإذا باشرتَ ذلك بنفسك فهو حَقُّ اليقين.
وضربنا لذلك مثلًا إذا قلت لك: إن البيت الحرام في مكة وصفَته كذا وكذا، وقد حدثت فيه توسعات كذا وكذا، فهذه المعلومات بالنسبة لك علم يقين، فإذا رأيتَ الحرم فهي عَيْن يقين، فإذا يسَّر الله لك الحج أو العمرة فباشرْتَه بنفسك، فهو حَقُّ اليقين.
والحق سبحانه وتعالى عالج هذه المراتب في سورتين: {أَلْهَاكُمُ التكاثر حتى زُرْتُمُ المقابر كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ علْمَ اليقين لَتَرَوُنَّ الجحيم ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ اليقين ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئذٍ عَن النعيم} [التكاثر: 1-8].
وذلك حين يمرون على الصراط ويروْنَ النار بأعينهم رأي العين.
أما حق اليقين بالنسبة للنار، فقد جاء في قوله تعالى: {فَأَمَّآ إن كَانَ منَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعيمٍ وَأَمَّآ إن كَانَ منْ أَصْحَاب اليمين فَسَلاَمٌ لَّكَ منْ أَصْحَاب اليمين وَأَمَّآ إن كَانَ منَ المكذبين الضآلين فَنُزُلٌ مّنْ حَميمٍ وَتَصْليَةُ جَحيمٍ إنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ اليقين فَسَبّحْ باسم رَبّكَ العظيم} [الواقعة: 88-96].
لكن، هل القرآن نزل هُدى للمتقين، وهدى للمحسنين فحسب؟ قلنا: إن الهداية تأتي بمعنيين: هداية دلالة وإرشاد، وهداية توفيق ومعونة، فإن كانت هداية دلالة فقد دلّ الله المؤمن والكافر بدليل قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فاستحبوا العمى عَلَى الهدى} [فصلت: 17].
فالحق سبحانه دلَّ الجميع لأنهم عباده، فمنهم من قَبل الدلالة واقتنع بها فآمن، ومنهم مَنْ رفضها فكفر، أما الذي قَبل دلاَلة الله وآمن به فيزيده الله هداية أخرى، هي المعونة علىَ الإيمان، فيُحّببه إليه حتى يعشقه، ثم يعينه عليه، كما قال سبحانه: {والذين اهتدوا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17].
ثم يقول الحق سبحانه: {أولئك على هُدًى مّن رَّبّهمْ}.
وصف الحق سبحانه قرآنه بأنه هدى، أما هنا فيقول: {أولئك على هُدًى} [لقمان: 5] والمتكلم هو الله- عز وجل- فلابد أنْ نتأمل المعنى، ربنا عز وجل يريد أنْ يقول لنا نعم القرآن هُدى، لكن إياك أنْ تظن أنك حين تتبع هذا الهدى تنفعه بشيء، إنما المنتفع بالهداية أنت، فحين تكون على الهدى يدلُّك ويسير بك إلى الخير، فالهدى كأنه مطية يُوصّلك إلى الخير والصلاح، فأنت مُسْتعلٍ على الهدى إنْ قَبلْتَه، وإنْ كان هو مُسْتَعليًا عليك تشريعًا.
ثم هو هدى ممَّنْ؟ {هُدًى مّن رَّبّهمْ} [لقمان: 5] ممن لا يستدرك عليه، فإنْ دلَّك دلَّك بحق، وهَبْ أن البشر اهتدوْا إلى شيء فيه خير، لكن بعد فترة يعارضون هم أنفسهم هذا الطريق، ويكتشفون له مضارّ ومثالب، ويستدركون عليه، وربما يعدلون عنه إلى غيره، وكم هي القوانين البشرية التي أُلغيت أو عُدّلت؟
إذن: الهداية والدلالة الحقة لا تكون إلا لله، والقانون الذي ينبغي أن يحكمنا ونطمئن إليه لا يكون إلا لله، لماذا؟ لأن البشر ربما ينتفعون من قوانينهم، وقد تتحكم فيهم الأهواء أو يميلون لشخص على حساب الآخر، أما الحق- سبحانه وتعالى- فهو وحده سبحانه الذي لا ينتفع بشبء مما شرع لعباده، ولا يحابي أحدًا على حساب أحد، والعباد كلهم عباده وعنده سواء.
لذلك يطمئننا الحق سبحانه على تشريعه وعدالته سبحانه، فيقول: {مَا اتخذ صَاحبَةً وَلاَ وَلَدًا} [الجن: 3] يعني: اطمئنوا، فربكم ليس له صاحبة تؤثر عليه، ولا ولد يظلم الناس فيحابيه، فأنتم جميعًا عنده سواسية.
ثم هناك فَرْق بين هُدى من الله، وهدى من الرب، فالرب هو الذي ربَّاك، هو الذي أوجدك من عَدم، وأمدك من عُدْم، وأعطاك قبل أنْ تعرف السؤال، وتركك تربع في كونه وتتمتع بنعمه.
لذلك يُعلمك ربك: إياك أنْ تسألني عن رزق غدٍ؛ لأنني رزقْتُك قبل أنْ تعرف أن تسأل، ثم لم أطالبك بعبادة غدٍ، إذن: ليكُنْ العبد مؤدبًا مع ربه عزوجل.
وهكذا نتبين أن الربوبية عطاء، أما الألوهية فتكليف.
ثم يخبر الحق سبحانه عنهم بخبر آخر {وأولئك هُمُ المفلحون} [لقمان: 5] فالفلاح نتيجة الهدى الذي ساروا عليه واتبعوه، كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} [المؤمنون: 1].
الفلاح أصله من فلاحة الأرض بالحرث والبَذْر والسَّقْى. الخ، فاستعارها أسلوب القرآن للعمل الصالح، ووجه الشبه بين الأمرين واضح، فالفلاح يلقى الحبة فيضاعفها له ربه سبعمائة حبة، كذلك العمل الصالح يُضَاعَف لصاحبه، فالحسنة عند الله بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف {والله يُضَاعفُ لمَن يَشَاءُ} [البقرة: 261].
واقرأ في كتاب الله هذا المثل: {مَّثَلُ الذين يُنْفقُونَ أَمْوَالَهُمْ في سَبيل الله كَمَثَل حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابلَ في كُلّ سُنبُلَةٍ مّائَةُ حَبَّةٍ والله يُضَاعفُ لمَن يَشَاءُ والله وَاسعٌ عَليمٌ} [البقرة: 261].
وتأمل الاستدلال هنا: إذا كانت الأرض وهي مخلوقة لله تعطي كل هذا العطاء، فكيف يكون عطاء مَنْ خلقها؟ إذن: فهم لاشكَّ مفلحون أي: فائزون بالثمرة الطيبة التي تفوق ما بذلوه من مشقة، كما يزرع الفلاح الأرض فتعطيه أضعاف ما وُضح فيها. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {الكتاب الحكيم} قيل: فَعيل بمعنى مُفْعَل وهذا قليلٌ قالوا: أَعْقَدْتُ اللبنَ فهو عَقيْدٌ أي مُعْقَد، أو بمعنى فاعل، أو بمعنى ذي الحكْمة، أو أصلُه: الحكيم قائلُه، ثم حُذف المضافُ وأُقيم المضافُ إليه مُقامَه، وهو الضميرُ المجرورُ، فانقلب مرفوعًا، فاستتر في الصفة. قاله الزمخشري وهو حَسَنُ الصناعة.
قوله: {هُدًى وَرَحْمَةً} العامَّةُ على النصب على الحال منْ {آيات} والعاملُ ما في اسم الإشارة من معنى الفعل، أو المدح. وحمزة بالرفع على خبر مبتدأ مضمرٍ. وجَوَّز بعضُهم أَنْ يكونَ {هدىً} منصوبًا على الحال حالَ رَفْع {رحمة}. قال: ويكون رَفْعُها على خبر ابتداءٍ مضمرٍ أي: وهو رحمَةٌ. وفيه بُعْدٌ.
قوله: {الذين يُقيمُونَ} صفةٌ أو بدلٌ أو بيانٌ لما قبلَه، أو منصوبٌ أو مرفوعٌ على القطع. وعلى كل تقديرٍ فهو تفسير للإحسان. وسُئل الأصمعيُّ عن الألمعيّ. فأنشد:
الأَلْمَعيُّ الذي يَظُنُّ بك الظْـ ** ظَنَّ كأنْ قد رَأَى وقد سمعا

يعني أنَّ الألمعيَّ هو الذي إذا ظَنَّ شيئًا كان كمَنْ رآه وسَمعه.
كذلك المحسنون هم الذين يَفْعلون هذه الطاعات. ومثلُه: وسُئل بعضُهم عن الهَلُوع فلم يَزدْ أَنْ تلا {إذَا مَسَّهُ الشر جَزُوعًا وَإذَا مَسَّهُ الخير مَنُوعًا} [المعارج: 20، 21]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جل ذكره: {بسم الله الرحمن الرحيم} {بسم الله} كلمة من سمعها أقر بأنه لا يسمع مثلها، ومن عرفها أنف أن يسمع غيرها، كلمة من سمعها طابت قصته، وزالت بكل وجه غصته، وتمت من النعم في الدنيا والعقبى حصته، وزهد في دنياه من غير رغبة في عقباه، لأنها وإن جلت غير مولاه، كلمة من سمعها لم يرغب في عمارة فنائه، ولم يتحشم سرعة وفاته.
{الم (1) تلْكَ آيَاتُ الْكتَاب الْحَكيم (2)}.
الألف تشير إلى آلائه، واللام تشير إلا لطفه وعطائه، والميم تشير إلى مجده وسنائه؛ فبآلائه يرفع الجَحْدَ عن قلوب أوليائه؛ وبلطفه وعطائه يثبت المحْبةَ في أسرار أصفيائه، وبمجده وسنائه مستغنٍ عن جميع خَلْقه بوصف كبريائه.
{تلْكَ ءَاياتُ الْكتَابُ الْحَكيم} المحروس عن التغيير والتبديل.
{هُدًى وَرَحْمَةً للْمُحْسنينَ (3)}.
هو هدّى وبيان، ورحمة وبرهان للمحسنين العارفين بالله، والمقيمين عبادةَ اللَّه كأنهم ينظرون إلى الله. وشَرْطُ المُحْسن أن يكون محسنًا إلى عباد الله: دانيهم وقاصيهم، ومطيعهم وعاصيهم.
{الَّذينَ يُقيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} يأتون بشرائطها في الظاهر من ستر العورة، وتقديم الطهارة، واستقبال القبْلة، والعلم بدخول الوقت، والوقوف في مكانٍ طاهر.
وفي الباطن يأتون بشارئطها من طهارة السّرّ عن العلائق، وسَتْر عورةَ الباطن بتنقيته عن العيوب، لأنها مهما تكن فاللَّهُ يراها؛ فإذا أَرَدْتَ ألا يرى اللَّهُ عيوبَك فاحْذَرْها حتى لا تكون. والوقوف في مكان طاهر، وهو وقوف القلب على الحدّ الذي أُذنْتَ في الوقوف فيه مما لا يكون دعوى بلا تحقيق، وَرَحمَ اللَّهُ مَنْ وقف عند حدّه. والمعرفة بدخول الوقت فتعلم وقت التذلُّل والاستكانة. وتميز بينه وبين وقت السرور والبسط، وتستقبل القبلةَ بنَفْسك، وتعلّق قلبَكَ بالله من غير تخصيص بقَطْرٍ أو مكان.
{أُولَئكَ عَلَى هُدًى منْ رَبّهمْ وَأُولَئكَ هُمُ الْمُفْلحُونَ (5)}.
الذين يقومون بشرط صلاتهم وحقّ آداب عبادتهم هم الذين اهتدوا في الدنيا والعُقبى فسلموا ونَجَوْا. اهـ.